خطوات تنمية الوعي المالي عند الأطفال

الوعي المالي عند الأطفال وتنميته من المهام التربوية التي تقع على عاتق الأهل. هذا الوعي مهم لتنمية شخصية الطفل، وتعزيز مهاراته المختلفة. سأشرح في هذا المقال عن أهمية تنمية الوعي بقيمة المال عند الأطفال من الناحية التربوية وسوف أشارك تجربتي مع ابنتي وكيف نميت الوعي النقدي لديها وساعدتها على اكتساب مهارات جديدة.

sawsan
سوسن حمزة
تاريخ النشر:Feb 13th 2024 | تاريخ التعديل :Mar 10th 2024
الوعي المالي عند الأطفال

متى نبدأ بتوعية أطفالنا عن المال؟

أي ثقافة نود غرسها لدى أطفالنا يجب علينا البدء بها منذ عمر مبكر جدًا بما يتناسب مع عمر الطفل. فيمكن البدء بغرس الوعي المالي عند الطفل منذ عمر ثلاث سنوات، بخطوات سهلة مثلًا إعطاء الطفل مبلغ قليل من المال ليدفع به ثمن حلوى اشتراها وهو في رحلة التسوق مع والدته، مما يساعد ذلك الطفل على إدراك أن لكل شيء قيمة مالية. وأود أن أنوه على ضرورة استخدام الأوراق النقدية والعملة النقدية قدر الإمكان أمام الأطفال لكي يدركوا ما هي النقود، وأن البطاقة البلاستيكية ليست هي النقود، بل وسيلة دفع ميسرة.

في الماضي عندما كان الأطفال معتادين الحصول على بضع قطع معدنية من النقود والذهاب إلى دكان الحي لشراء الحلويات، والعصائر، كان ينمي لديهم الوعي باستخدام النقود بسهولة. فكان الطفل يعلم كم معه من النقود ويسأل عن الأسعار ويقارنها بمصروفه ويتدرب بشكل عفوي على الطرح والجمع. أما اليوم فلا يذهب الأطفال إلى دكان الحي، بل يشتري الأهل كل شيء ويجهزونه في البيت، وإن اشترى الطفل شيئًا يقوم الأهل بدفع ثمنه باستخدام البطاقة الائتمانية، أو باستخدام الهاتف، فلا يدرك الطفل أن هناك نقوداً أنفقت.

ما هو الهدف من الوعي المالي؟

تحديد الميزانيات

عند شراء ملابس العيد مثلًا يمكن الاتفاق مع الطفل مسبقًا بأن هناك ميزانية محددة لملابس العيد، والتركيز على أهمية شراء ملابس ذات نوعية جيدة وسعر معقول، وعدم الوقوع في فخ الأسعار الرخيصة وشراء كميات كبيرة من ملابس رديئة تتلف بعد أيام قليلة فنضطر لشراء غيرها.

تقدير قيمة الأشياء

اصطحاب الأطفال للتسوق ومقارنة الأسعار وتشجيعهم على دفع ثمن مشترياتهم باستخدام نقود حقيقية سيزيد من تقديرهم لقيمة الأشياء، ويزيد الوعي الاقتصادي لديهم.

الالتزام بالقيم المالية للعائلة

من المهم شرح القيم المالية للأسرة للطفل وإشراكه في قرارات الإنفاق التي تخصه، وتخيير الطفل في أي شيء يود إنفاق المال لكي ينمو وهو لديه قيم مالية مماثلة لقيم أسرته. فالكثير من العائلات تعطي أولوية لتعليم أبنائهم أكثر من شراء البيوت الكبيرة والأثاث الفاخر مثلاً. من المهم مشاركة هذه القيم مع الأطفال وتشجيعهم على وضع قيم مماثلة والتمسك بها والابتعاد عن المقارنة مع الآخرين.

تحديد الأولويات

 إحدى بناتي تحب شراء الملابس كثيرًا، وأحاول قدر الإمكان تلبية هذه الرغبة لديها. جاءت في يوم من الأيام تخبرني أن صديقتها تسافر كثيرًا مع أسرتها، وبأنهم يذهبون إلى الفنادق كثيرًا، وتود أن نفعل مثلهم. أجبتها بأن صديقتها هذه ليس لديها سوى قطعتين من الملابس، فمن الواضح أن أسرتها تولي السفر والفنادق أهمية أكبر من شراء الملابس، ولأننا لا يمكن أن نكون شخصين في نفس الوقت لديه أولويتان في نفس الوقت، عليك أن تختاري كيف تودين إنفاق النقود في السفر؟ أم في الملابس.

الكشف عن شخصية الطفل وتنميتها

توعية الأطفال عن النقود والادخار والشراء، ستكشف الكثير عن شخصياتهم، وهو أمر مهم جدًا ليتعلموا قيمة ممتلكاتهم، وحقوقهم وواجباتهم. فعندما نعطي الطفل مصروفًا، ويعود من المدرسة ليخبرنا أن صديقه استدان منه، ثم لا يعيد هذا الصديق المبلغ، هذا درس للطفل حول الحقوق المالية للشخص، والدين، وإعادة الأموال لأصحابها.

أطفالنا والادخار

تختلف شخصيات الأطفال من حيث طريقة الإنفاق والادخار حتى وإن كانوا إخوة تربوا في نفس البيت. فهناك أطفال يحبون ادخار مالهم وآخرين يميلون إلى إنفاق كل ما معهم. من المهم البدء بإعطاء الأطفال مصروف وتشجيع الطفل على الصرف المتوازن بحيث لا يحرم نفسه شراء ما يريد لكي يدخر كل ماله، ولا أن يصرف كل ما لديه، ولا يترك معه مبلغ مدخراً لوقت الحاجة.  

هل يمكن استخدام المال كمكافأة للطفل؟

كثيرًا ما أسأل هذا السؤال من قبل الأهل، والإجابة هي نعم، بل لعل المال هو أفضل مكافأة يمكننا إعطاؤها للطفل على السلوك الإيجابي. لأن المكافأة باستخدام الحلويات ستؤدي إلى ربط التلذذ والمتعة بالطعام، وبناء علاقة غير صحية فلا يصبح الطعام وسيلة لسد حاجة جسدية، بل مصدرًا للمتعة.

أما المكافأة باستخدام الألعاب ولأن الأهل كثيرًا ما يبالغون في شراء الألعاب لأطفالهم لم تعد مهمة للطفل، ولم تعد شيئاً ذات قيمة، بل في كثير من الأحيان يختفي الحماس باللعبة الجديدة بعد أقل من ساعة، وقد يقارنها بلعبة صديق له، فيجدها ليست الأحدث أو الأفضل.

المال هو أفضل مكافأة للأطفال؛ لأنه تحفيز خارجي يساعد الطفل على خلق تحفيز داخلي يقوم بإقراره والالتزام به؛ مما يساعد في الكثير من الأحيان على ترسيخ عادات إيجابية لدى الأطفال.

المكافأة بالمال لن يخلق طفلًا طماعًا أو ماديًا، لأن الحلوى، والكتب، والألعاب هي أشياء مادية أيضًا ذات قيمة مالية، ولكن بمسميات تختلف عن النقود.

تجربتي مع ابنتي

طلبت مني ابنتي عندما كانت في عمر الثامنة أن أعطيها خمسة دراهم مقابل كل كتاب تقرؤه، ووافقت بالفعل. وبالفعل صرت أعطيها الخمسة دراهم بعد أن تتم قراءة كتاب. أنفقت على هذه الاتفاقية بين الخمسين والسبعين درهماً، وبعد ذلك أصبحت القراءة شغفاً لديها، ولم تتوقف عن قراءة الكتب منذ ذلك الحين. فمنذ تلك الاتفاقية قرأت ما يزيد عن مئتي كتاب، ولم أدفع لها أي مبالغ مقابل هذه الهواية الجديدة، ولكن كان المال المحفز الخارجي لدعم محفز داخلي لديها وهو حب القراءة.

بالإضافة إلى حب القراءة، فقد أسفرت هذه الاتفاقية المالية التي لم تكلفني الكثير على دعم الوعي المالي لديها، فأصبحت أكثر إدراكًا لقيمة المال، وعندما كانت ترى شيئًا في السوق ثمنه 200 درهم تقول: ثمنه أربعون كتابًا!

هذا الإدراك لقيمة المال، شجعها على الادخار، وخلق لديها أيضًا مهارات تجارية، وتدرك القيم الربحية، والسعر الأساسي فأصبحت تبيع كتبها بعد أن تنتهي من قراءتها، خصوصًا أنها أصغر أطفالي فلا يوجد من سيستفيد من كتبها بعدها. وأصبحت تشارك من خلال النشاطات المدرسية ببيع أشياء يذهب ريعها للجمعيات الخيرية، وتسوق ما تبيعه وتقوم بعمل خصومات وعروض لكي تبيع الأشياء.

أيها الأهل كونوا مثلًا أعلى!

نحن مرآة أطفالنا، وتصرفاتنا هي دليلهم الأول في الحياة. من المهم أن يلتزم الأهل بالممارسات المالية التي يودون أن يزرعوها في أطفالهم. فلا يمكن للأهل المقتدرين ماديًا، والذين ينفقون ألف درهم على وجبة عشاء أن يرفضوا شراء حذاء رياضي لابنهم بالسعر نفسه! خصوصًا إن كان الحذاء ذو جودة عالية، ويستحق هذا السعر.

ولا يمكن للأهل الذين يدخرون كل مالهم، ولا ينفقون أن يشجعوا طفلهم على الصرف وشراء ما يريد، فالتقليد لدى الطفل فعال أكثر من التوجيه.

 

 اقرئي أيضًا ما تأثير التربية على ذكاء الطفل؟

sawsan
سوسن حمزة مدربة توجيه أسري ومدربة مراهقين معتمدة

سوسن أم لثلاث بنات، وهي صيدلانية سبق أن عملت لسنوات في مجال التسويق لشركات الأدوية وأغذية الأطفال. قبل أن تدرك أن شغفها الأساسي هو مساعدة الأهل في مشوار تربية أبنائهم. وعندها درست وحصلت على دبلوما في مجال تدريب الأهل  Parent Coaching. كما أنها درست التطور الذهني والعاطفي في مراحل الطفولة، وأثر التربية الإيجابي في هذا التطور. كما درست كل ما يخص المراهق على المستوى العقلي والعاطفي والسلوكي، وحصلت على دبلوما Teenager’s coach لتكون حلقة الوصل بين المراهق والأهل لبناء جسور التواصل. وجدت سوسن في سنوات دراستها الطويلة في مجال التربية، بأن كثيراً من تحديات التربية سببها صدمات الطفولة عند الأهل أو الأنماط المجتمعية في التفكير، فكان لهذه الخطوة أثر إيجابي كبير في تفريغ مشاعر الأهل السلبية ورفع نسبة تقبلهم لأبنائهم ولأساليب التربية الصحيحة. تؤمن سوسن بأن مشوار تعلمها لم ينته بعد، فهي تتعلم كل يوم من معلماتها الأوائل بناتها الرائعات. اللاتي تعيش معهن رحلة جميلة في التعلم، والحب والحوار.

مقالات ذات صلة