الأم العاملة عبارة تحمل الكثير من التعب، والمجهود، والسهر، والمشاعر. فهي عاملة خارج البيت وداخله، فهذا من ضمن الوصف الوظيفي لهذه المهنة الشاقة، والتي نادرًا ما تحظى بالتقدير، أو تحصل على التفهم والدعم. أنا أم لثلاثة كانوا أطفالًا وهم اليوم شبان ويافعين، وأعمل بشكل متقطع منذ أكثر من عشرين سنة، وفيما يلي خلاصة خبرتي لإدارة التحديات التي تمر بها الأم العاملة، سواء كانت تحديات عاطفية أو مهنية.
بينما عملت الحركات النسوية جاهدة على مدى عقود من الزمن لتحرير المرأة من العنف الأسري، ومن الأحكام المسبقة، وشجعت على تعليم المرأة وحثها على السعي للحصول على الاستقلال المادي، أوقعت هذه الحركات بقصد أو بدون قصد المرأة المعاصرة في فخ. وجعلتها تدور بما أحب أن أسميه "الخلاط" الذي يدور بسرعة جنونية بحيث لا يمكننا رؤية ما بداخله. فالمرأة المعاصرة التي يفرض عليها مبدأ "تمكين المرأة" أن تكون عاملة، ولتحقيق التوازن المجتمعي مطلوب منها أيضًا أن تؤسس أسرة، تدور في هذا الخلاط بين الأسرة والعمل والسعي الدائم للتطور المهني والوظيفي والتربوي أيضًا.
مطلوب من المرأة اليوم أن تكون مستقلة ماديًا، وأن تصعد السلم الوظيفي بنفس سرعة الرجل، أو أن تكون ريادية أعمال، ومطلوب منها أيضًا أن تكون أمًا مثالية وزوجة محبة تهتم بزوجها، وهذا بينما يكون وزنها مثاليًا وبشرتها صافية وصحتها في أفضل حال.
وهي في الحقيقة تدور في خلاط لا تعلم ما الخليط الذي سينتج عن دورانها هذا، فكل المكونات اختلطت ببعضها، ولكن من المؤكد أنها متعبة؛ لأنها تواجه الكثير من التحديات.
الأم العاملة والشعور بالذنب متلازمين حتى وإن لم تعترفي لنفسك بأنك تشعرين بالذنب عزيزتي. فإن لم يكن شعورك بالذنب تجاه أطفالك، وانشغالك عنهم بعملك، أو اتجاه زوجك الذي كان الشريك والحبيب والرفيق لينتقل فجأة إلى المرتبة الثالثة وأحيانًا الرابعة بعد الأطفال والعمل والتطور المهني، فلا بد أنك ستشعرين بالذنب تجاه عملك. مهما صورت منصات السوشيال ميديا وحسابات لينكدإن المرأة العاملة على أنها سوبر ماما قادرة على تحقيق توازن بين جميع عناصر حياتها، إلا أن هذا التوازن التام مستحيل!
فعندما يمرض ابنك سترجح كفته في الميزان على عملك وعلى زواجك، وعندما يحتاجك زوجك لمساندته؛ لأنه يمر بأزمة ما سترجح كفته على الأولاد والوظيفة. وعندما تواجهين موعدًا نهائيًا في العمل سترجح كفة الوظيفة إلى حين تسليم ما عليك من مهام. لذلك لا تشعري بالذنب تجاه أطفالك لأنك تعملين، ولا تشعري بالذنب تجاه عملك؛ لأنك أم وزوجة وافعلي ما بوسعك وحاولي إيجاد معادلة تناسب عملك، وتناسب ظروف حياتك الأسرية، ولا ترضخي للقوالب الجاهزة عندما تكونين قادرة على الاختيار.
وباء التوتر الذي نعاني منه جميعًا، وساعات العمل الطويل، وقضاء وقت طويل على الطريق من وإلى العمل أمور مرهقة جسديًا ونفسيًا للأم العاملة. مسؤوليات الأمومة وانشغال الأم بتربية أولادها والاهتمام بصحتهم الجسدية، والنفسية ومتابعة دراستهم وقضاء وقت نوعي معهم والاهتمام بدراستهم ونشاطاتهم اللامدرسية تضيف على الإرهاق الذي تشعر به الأم من عملها. ونضيف على ذلك كله المجهود الذي يقع على عاتقها كزوجة تمامًا كما يقع على الزوج للاستثمار في هذا الزواج. فالعلاقات الإنسانية بحاجة إلى استثمار، وبذل مجهود، وتقديم مشاعر ووقت واهتمام.
كل هذه المتطلبات مع الشعور شبه الدائم بالذنب ستسبب احتراقاً نفسيًا حتميًا للأم العاملة، فقد بينت الدراسات أن النساء، وخصوصًا الأمهات أكثر عرضة من غيرهن للاحتراق النفسي والوظيفي.
لذلك من المهم طلب المساعدة، ومحاولة تفويض بعض المهام، وعدم السعي وراء الكمال والمثالية الزائفة وتقسيم الوقت والمجهود والمشاعر، والتركيز على الرعاية الذاتية قدر الإمكان لتجنب الوقوع في بئر الاحتراق النفسي والوظيفي.
تشعر الأم العاملة بالوحدة في العمل حتى وإن كانت محاطة بعشرات الزميلات والزملاء، ففي الكثير من الأحيان لا توجد قواسم مشتركة بيننا وبين زملاء العمل، وبسبب وتيرة العمل المتسارعة لا يمكننا حتى قضاء وقت نوعي للتعرف عليهم، أو مشاركتهم في نشاطات اجتماعية.
كما تشعر الأم العاملة بالوحدة بين الأمهات الأخريات، سواء كن عاملات أم لا، فكل امرأة لديها نموذج عمل مختلف، ووظيفة مختلفة، وغالبًا ما تدور النساء في حلقة من إطلاق الأحكام، والغيرة والأفكار المغلوطة عن الأخريات. فتظن المرأة العاملة أن الأم المتفرغة لأسرتها غير متمكنة، ومقهورة ومظلومة وجالسة في البيت، ولا تقوم بأي شي مفيد في المجتمع، بينما هي متفرغة لأعظم مهمة على الإطلاق، في حال قامت بها بشكل صحيح، وهي تربية أجيال المستقبل.
وتظن الأم التي يطلق عليها ربة منزل، أن الأم العاملة أنانية ومهملة تترك أطفالها في عهدة العاملة المنزلية. وهي في الحقيقة تتوق في كل لحظة لتكون مع أطفالها، وتهتم بشؤونهم وهي بعيدة في بعض الأحيان أكثر من بعض الأمهات الموجودات في البيت.
للتغلب على الشعور بالوحدة يجب أن يكون للمرأة دائرة من الدعم والمساندة، من صديقات متفهمات وداعمات، سواء كن عاملات أم لا. صديقاتي هن مصدر دعم مهم في حياتي، انتقيتهن بعناية على مدى سنوات طويلة، واعتبرهن من الكنوز الثمينة التي استطعت ادخارها.
تحتاج الأم العاملة مرونة في ساعات الدوام، تحتاج أن تأتي متأخرة قليلًا في الصباح لكي توصل أطفالها إلى المدرسة، أو لكي تجلس معهم بهدوء على مائدة الإفطار. تحتاج لأن تذهب إلى البيت باكرًا لكي تقضي وقتًا أكبر مع زوجها وأولادها، ولكي يتبقى لها وقت لتنهي مهامها الأخرى قبل أن يحل منتصف الليل. كما تحتاج إلى خيارات ساعات دوام مرنة، ولدوام هجين لكي تتمكن من العمل وهي مرتدية البيجاما، ولو ليومين في الأسبوع!
دعونا نخرج من إطار المساواة إلى إطار العدالة لا يمكن مساواة من لديها مهام تربوية ومنزلية، ومن تقوم بالرضاعة الطبيعية بالرجل الذي في أغلب الأحيان لا يتعين عليه القيام بالكثير بعد الدوام. والذي بالتأكيد لن يقوم بالرضاعة، ولن يحتاج لإراحة رجليه المتورمة بسبب الحمل!
فخ آخر وقعت به المرأة المعاصرة، وهو فخ المساواة مع الرجل. لماذا أتساوى مع الرجل، بينما أقوم بعشرات المهام أكثر منه؟! المطلوب هو تحقيق العدالة ورفع رواتب النساء لتتناسب مع مؤهلاتهن العلمية، وخبراتهن العملية، والأخذ بعين الاعتبار أن هذه الموظفة هي أيضًا أم وزوجة عند النظر في المرشحين لأجل ترقية ما وعدم حصر الترقيات ومنح فرص التقدم الوظيفي للرجال، ولمن ليسوا أمهات، وكأن هناك عقاباً للمرأة التي اختارت أن تكون أسرة.
لا تقدم أغلب جهات العمل الدعم للنساء العاملات، وبالكاد تقدم للموظفة الأم حقوقها المكفولة في قانون العمل. فلا يوجد مرونة في ساعات العمل، وخيارات الدوام، ولا يوجد دعم من خلال توفير حضانة في العمل لتخفيف عبء العناية بالأطفال على الأم العاملة، خصوصًا إن كان لديها طفل رضيع.
قد لا تناسب هذه الحلول الجميع، ولكن ها هي على كل حال:
صورة المرأة المثالية، التي تعمل بوظيفة مرموقة بدوام كامل، وهي في نفس الوقت أم مثالية، وزواجها مثالي، وهي غير متعبة، وغير متوترة هي صورة زائفة، روجت لها مؤثرات السوشيال ميديا، فأرهقت النساء أكثر ما هن مرهقات. لا تنظري إلى هذه الصور واصنعي أنت ألبوم صور يناسبك، هذه حياتك وهذه قصتك اكتبيها كما يحلو لك.
تعرفي على خطوات تسهل عودة الأم إلى الحياة الوظيفية بعد انقطاع