في كل يوم نفتح فيه وسائل التواصل الاجتماعي تطل علينا صانعة محتوى جديدة لتحدثنا عن التربية، ولكي تشرح لنا انتصاراتها التربوية في تربية أطفالها. التربية تلك المسؤولية العملاقة التي يتحدث عنها الكثيرون ويتقنها القليلون، هي موضوع هذا المقال الذي سنستعرض فيه مفاهيم التربية الإيجابية، وسأشارك معكم ما تعلمته من تجربتي في تربية ثلاثة كانوا يومًا أطفال هم اليوم يافعون، وشباب.
كنت دومًا أتندر عندما أتحدث عن تربيتي لأطفالي وأقول إني أضعت دليل المستخدم الخاص بالتعامل مع هؤلاء الأطفال. ولكن للأسف أطفالنا أعظم عطاء من الخالق عز وجل يصلون إلينا بدون دليل استخدام واضح، مما يجعل التعامل معهم أمراً صعباً وشاقاً للغاية. خصوصًا إن كنا نخضع لمراقبة حثيثة ومجهرية ممن حولنا، فلا بد لأي أم أن تسمع في مرحلة ما من رحلتها في عالم الأمومة عن إبداعات وانتصارات من سبقنها من الأمهات، وإن أرادت أن تهرب من هذه الأحكام، وتمسك هاتفها لتتصفح السوشيال ميديا ستجد محتوى وردي وجميلاً عن إبداعات أمهات واجهن الصعاب وانتصرن بينما بيوتهن مرتبة، وأطفالهن سعداء، وبينما يبدون مثل نجمات السينما! المزيد من الإحباط والشعور بالتقصير! ما الحل؟ اللجوء إلى العلم وللخبراء لإيجاد حلول مستوحاة من مفاهيم التربية الإيجابية التي سأوضحها فيما يلي.
يلخص علماء التربية في جامعة بن ستيت الأمريكية هذا النوع من التربية على أنها:
"العلاقة المستمرة بين الوالدين والأطفال والتي تشمل الرعاية والتعليم والتواصل وتوفير احتياجات الطفل باستمرار ودون قيد أو شرط وهي أيضًا الحب والتعاطف والتمكين والرعاية والتوجيه."
يمكن للوالدين باستخدام تقنيات تربية إيجابية، وضع مبادئ توجيهية وتوقعات واضحة لأطفالهم. ومن خلال التواصل والتوجيه ، يتعلم الأطفال الحدود والتوقعات بينما يفهمون عواقب أفعالهم.
قد يكون هناك مفهوم خاطئ حول التربية الإيجابية هو أن هذا النوع من التربية متساهل للغاية. ولكن من خلال هذا النوع الإيجابي من التربية، يستخدم الآباء قواعد وإرشادات محددة بوضوح لتنفيذ التوقعات التي ينتظرونها من أطفالهم مع الاستمرار في تلبية احتياجاتهم باستمرار.
من المهم أن يكون لكل أسرة دستور، يشمل على قوانين وحدود أخلاقية ومعنوية، وصحية أيضًا. بعد أن تتفقي مع زوجك على هذا الدستور، قومي بشرحه لأطفالك بما يناسب عمرهم. مثلا يمكن أن يشمل دستور أسرتك على قوانين مثل عدم استهلاك الأطعمة المصنعة، والمشروبات الغازية. وعدم مشاهدة أي محتوى لا يتماشى مع الأخلاق العامة.
من المهم أن يكون هناك عواقب واضحة عند عدم الالتزام بالحدود، والقوانين المتفق عليها. عواقب وليس عقاباً، فمن المهم أن ترتبط العاقبة بالفعل لا بالطفل. فمن أسس التربية الإيجابية هي التربية بالحب، من المهم أن يستمر الأهل بحب أطفالهم حتى لو كرهوا تصرفاتهم، من المهم أن تتميز المشاعر السلبية وأن تتوجه نحو الفعل والتصرف لا نحو الطفل أو المراهق.
حتى وإن تنازلت مرة أو مرتين في السنة وأطعمت أسرتك وجبة غير صحية مع مشروبات غازية، ففي الحياة هناك دومًا استثناءات وحالات خاصة. إلا أنه من المهم أن يكون هناك استمرارية، وروتين واضح. فهذا أمر أساسي لنجاح التربية.
من المهم أن تكوني واعية أنت وزوجك أنكما قبل أن تكونا ماما وبابا أنتما زوجان، ومن المهم أن يعتني كل منكما بنفسه، وأن تعتنيا ببعضكما قبل أن تعتنيا بأطفالكما. لا هذه ليست أنانية إنما هي من أساسيات أي تربية إيجابية وذلك وفقًا لخبراء التربية، ففاقد الشيء لا يعطيه!
التواصل الإيجابي من أساسيات الأسر السعيدة، تحدثي مع أطفالك، أخبريهم عن يومك، واستمعي إليهم وشجعيهم لكي يخبروكي أي شيء. احرصي على أن تكوني ملاذهم الآمن، ووفري لهم شعورًا بالثقة لكي يتحدثوا إليك باستمرار.
التعامل مع الأطفال والمراهقين أمر ليس بالهين، ومن المهم أن تدركي أن لأطفالك شخصيات مستقلة، شجعيها على النمو كالشجرة المثمرة، قلمي أطرافها ولكن لا توقفي نموها. تعودي ألا ترفضي كل شيء، تمسكي بالأساسيات الأخلاقية والدينية ودعي مساحة للمفاوضات للأشياء الأخرى. إذا أراد طفلك أن يرتدي ألواناً غير متناسقة، أو كانت ملابسه لا تعجبك، ولكنه مصر على ارتدائها، لا تصري على الرفض، أخبريه أنك تفضلين ملابسه الأخرى، أو أن الطقم الآخر يبدو أجمل من هذا، ولكن إن أصر اعتادي الاستسلام أحيانًا. أما إذا أصر على الذهاب إلى حفلة تنتهي بعد منتصف الليل، تمسكي بموقفك الرافض ولا تستسلمي للدموع ومونولوج دور الضحية الذي يتقنه المراهقون جميعهم. دعي ابنك يطيل شعره، إن كان لا مانع لدى مدرسته، ولكن أصري على أن يرتدي الزي المدرسي كل يوم لأن هذا سيرسخ لديه الالتزام بالقوانين.
لا تضعي ملصقات على طفلك، وتقولي ابني عنيد، أو ابنتي حساسة جدًا، أو لا تسمع كلامي، ابني لا يحب الدراسة، وهو غير متفوق دراسيًا. عندما ترين أي سلوك سلبي أخبري ابنتك أو ابنتك أن هذا السلوك غير مقبول، وأن هناك عواقب. ثم اعرفي إن كان هناك سبب وراء هذا السلوك خصوصًا إن كان غير مسبوق. قد يكون طفلك يشعر بالغيرة من المولود الجديد، قد يكون يتعرض للتنمر، أو قد تكونين قمت بخطأ ما وأثرت على مشاعره بشكل سلبي. تحدثي مع طفلك، وحاولي معرفة السبب وإيجاد الحلول، واستعيني بالمختصين إن لزم الأمر، فالتربية ليست بالأمر السهل، وأنت بحاجة إلى توجيه ونصائح من خبراء التربية.
أنت مرآة أطفالك، ومثلهم الأعلى في كل شيء، لذلك كوني مثلا أعلى بسلوكك، ومهاراتك وتصرفاتك. لا تجبري طفلك على ممارسة رياضة معينة بينما أنت تجلسين على الأريكة طوال اليوم، لا تخبريهم أن يتوقفوا عن تناول الأطعمة الصحية وأنت تلتهمين ثلاثة ألواح من الشوكولاتة يوميًا! لا تتحدثي معهم عن أهمية الصدق وعدم الكذب وأنت تكذبين على مديرك في العمل وتبين دون عذر. أنجح تربية هي التربية بالتقليد، تصرفي بالشكل الذي تودين أن يتصرف أطفالك.
حذاري من أن تربطي حبك لطفلك، وتقبله بشرط أو قيد. ففي هذا العالم القاسي قد لا يجد ابنك أو ابنتك الحب والعاطفة إلا منك ومن زوجك. لا تخافي لا يوجد أي شيء اسمه الكثير من الأحضان، أو القبلات، ولا يوجد تقييد على تكرار كلمة أحبك، أنا فخورة بك، أو أنا هنا لأجلك، افرطي بتقبيلهم، واحتضانهم، وأخبريهم أنك تحبيهم بالقول وبالفعل.
الخلاصة
التربية ليست سهلة، وكل طفل يختلف عن الآخر، حتى الأخوة لا يتشابهون. أنت تختلفين عن باقي الأمهات، ولا تصدقي كل ما ترينه على السوشيال ميديا. وتذكري أنك في نظر أطفالك أنت أفضل أم في العالم.