لعل انقطاع الدورة الشهرية من أكثر المحطات تأثيرًا في صحة المرأة. حيث تتأثر الصحة الجسدية والنفسية للمرأة بشكل كبير. ولكن ماذا عن الصحة الإنجابية؟ وما تأثير إنقطاع الطمث في أي عمر كان على احتماليات حدوث الحمل؟ سأتحدث في هذ المقال عن هذا الموضوع وعن بعض علاجات الخصوبة التجريبية.
يحدث انقطاع الدورة الشهرية عندما يبدأ مخزون البويضات بالتراجع حتى ينتهي تمامًا. ومن المتعارف عليه أن اعمر انقطاع الدورة الشهرية عند أغلب النساء هو 51 سنة. ولكن من الجدير بالذكر وكما تحدثنا في المقال السابق عن انقطاع الطمث المبكر، قد ينتهي مخزون البويضات ويكون لدى المرأة مبيض خالي من البويضات وتنقطع الدورة الشهرية في عمر مبكر قد يصل حتى عمر 12 سنة. أو في العشرينات، أو الثلاثينات، أو في سن الأربعين أو الخمسينات من العمر.
عند حدوث انقطاع الدورة الشهرية في العمر الطبيعي حوالي الخمسين سنة، من المهم أن نكون واقعيين وأن ندرك أن حدوث الحمل التلقائي بعد انقطاع الطمث ووصول سن الخمسين هو أمر صعب جدًا. حيث إنه مخزون البويضات يكون قد تراجع إلى حد كبير أو تلاشى تمامًا، وستكون البويضات إن وجدت ذات جودة ضعيفة، ولن تكون قادرة على التخصيب، وتكوين جنين سليم. لذلك حتى وإن تم الإخصاب، فهذا الحمل سينتهي غالباً إما بالإجهاض أو تكون جنين يعاني من التشوهات، والذي سيخرج من خلال إجهاض تلقائي أيضًا.
حتى مع علاج الخصوبة، وتنشيط البويضات، وزيادة عددها، فعلى الأغلب سيكون حوالي 90% من الأجنة المخصبة غير طبيعيًا، مما سيؤدي إلى عدم حدوث الحمل، أو في حال حدوثه سينتهي بالإجهاض أيضًا.
فمثلاً في الكثير من الدول الغربية ترفض أغلب العيادات إجراء الحقن المجهري، أو أطفال أنابيب للسيدات بعد عمر 42 سنة، إلا في حال كان التخصيب من بويضات متبرع بها من سيدة أصغر سنًا، أو باستخدام بويضاتها التي جمدتها وهي في عمر أصغر. حتى وإن لم تكن السيدة الراغبة في الحمل قد وصلت مرحلة انقطاع الدورة الشهرية بعد.
توصل العلم اليوم لطرق مبتكرة لتنشيط البويضات حتى بعد انقطاع الطمث. ولعل أبرز هذه الطرق استخدام تقنية ال PRP أو حقن البلازما، وهو سائل غني جدًا بالصفائح الدموية، والخلايا التي تساعد على التنشيط. وتبين أنه عندما حقن البلازما في المبيض يتنشط المبيض، ويعود لعمله الطبيعي ويكون بمثابة علاج هرمونات تعويضي. إلا أنه تبين بعد بعض التجارب أنه وبالرغم من تنشيط المبيض، إلا أن البويضات الناتجة ستكون بويضات ضعيفة غير قابلة للتخصيب، وإن تم تخصيبها ستنقسم مع وجود تشوهات مما سيصعب استمرار الحمل، أو سيكون الجنين مصاب بمتلازمة داون، والذي يحدث أكثر مع تقدم العمر.
تستخرج الخلايا الجذعية من جسم الإنسان، وجاري استخدامها في علاجات تجريبية عديدة منها علاجات الخصوبة بعد انقطاع الدورة الشهرية. ولكن حتى مع هذه التقنية لا يزال هناك احتمال مواجهة نفس المشكلة كما في التقنية السابقة، وهي أن تكون البويضات مسنة، وفيها مشاكل. كما أن مع هذه العلاجات التجريبية وإن نجحت، لا نزال لا نعلم تأثيرها على الأجنة على المدى الطويل.
هناك علاج تجريبي آخر، خارج عن المعتاد، لم يطرح للاستخدام العام بعد. حيث تؤخذ شرائح من المبيض، ويتم تقطيعها، ومزجها مع البلازما، والخلايا الجذعية قبل إعادة حقنها في البطن. حيث قد تقضي هذه الطريقة التي يمكن أن تجرى في المستقبل، على احتمالية وجود تشوهات عند تخصيب البويضة.
جاري الحديث في المجتمعات العلمية عن علاجات خصوبة قد تبدو من وحي أفلام الخيال العلمي. مثل التلقيح الاصطناعي للأجنة باستخدام الذكاء الاصطناعي AI، والاستنساخ دون الحاجة إلى بويضات أو حيوانات منوية. ولكنها جميعها لم تجرب بعد ولا زالت قيد النقاش فقط.
من أهم وسائل علاج النساء اللواتي يصلن لانقطاع الدورة الشهرية في العشرينات، أو الثلاثينات، أو بدايات الأربعينات، هي الهرمونات التعويضية بأنواعها، والتي تعمل على تحسين جودة صحتهن، وحياتهن بشكل عام. ولكن لا يوجد إلى الآن أي علاج من علاجات الخصوبة التي نجحت بنسبة 100% للمساعدة على الحمل بعد انقطاع الدورة الشهرية حتى وإن كان في عمر مبكر. ولكن من الجدير بالذكر أنه قد تحدث طفرات غير متوقعة تولد بويضات وتسبب في حدوث حمل تلقائي، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الحمل قابل للاستمرار، أو أن يكون الجنين خالي من التشوهات.
مع تطور تقنيات تجميد البويضات، والتي باتت سريعة، وفعالة جدًا. أصبحت من الممارسات الدارجة من أجل حفظ الخصوبة. وهي من الممارسات التي أنصح بها لجميع النساء فهي عملية آمنة، وسهلة، ويمكن إجرائها في عيادة الخصوبة. حيث يساعد حفظ الخصوبة على زيادة فرص حدوث الحمل في وقت لاحق. وهي ممارسة قانونية، ومشرعة، وأصبحت شائعة في العديد من الدول في المنطقة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.
تجميد البويضات كأنها وثيقة تأمين على الخصوبة، وكأي وثيقة تأمين قد نضطر أو لا نضطر لصرفها ولكن وجودها يزيد من الاطمئنان. وهي عملية لا تضمن الحمل المؤكد ولكنها تزيد من فرص حدوثه في وقت لاحق. ويفضل إجراء تجميد البويضات بين عمر 25 و 35، مع العلم أنه يمكن إجراؤه حتى بعد عمر الأربعين بعد إجراء بعض العلاجات التنشيطية قبل التجميد.
اقرئي أيضًا زيارة طبيبة نسائية لأول مرة: متى ولماذا؟