الأمومة في الأوقات الصعبة: التربية بالأمل

لعل أكثر الأحداث العالمية التي حدثت خلال هذه السنة مأساوية، ما بين كوارث طبيعية متوالية، وحروب وخسارة في الأرواح والممتلكات. أحداث يصعب على الكبير، والصغير التعامل معها، وتسبب الكثير من المشاعر الصعبة، من حزن، وألم، وشعور بالذنب. سنتحدث في هذا المقال عن كيفية التحدث مع الأطفال عن هذه الأحداث، والتعامل معها.

sawsan
سوسن حمزة
تاريخ النشر:Oct 18th 2023 | تاريخ التعديل :Oct 10th 2024
الأمل في الأوقات الصعبة

هل نشارك الأحداث المؤلمة مع أطفالنا؟

لا بد أن ندرك أن أطفالنا لا يعيشون في فقاعة محمية، وأنه حتى وإن لم نشارك معهم ما يجري في العالم من حولنا، فلا بد أنه سيعلم بما يجري من أصدقائه، أو من التلفزيون، أو مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك من أهم ما يمكننا كأهل أن نقوم به هو تحضير أطفالنا لمثل هذه الأحداث، من خلال مشاركة المعلومات معهم بشكل منطقي مع ذكر الحقائق بشكل علمي ومنطقي قبل إدخال المشاعر، والدراما. فمثلًا عند حدوث زلزال أو فيضان، وهو ما تكرر كثيرًا مؤخرًا، من المهم أن نخبر الطفل بالمعلومات العلمية حول الزلازل، وكيفية حدوثها، وما تخلفه من دمار بدون تأجيج المشاعر. والأمر مماثل بالنسبة للحروب، يمكن تقديمها للطفل في قالب تاريخي، وأنه أمر يتكرر منذ الأزل. سرد هذه المعلومات كحقائق علمية، ومنطقية يسهل على الطفل بدء استيعاب هذه الأحداث غير العادية، ومن ثم ترجمتها بشكل يمكن لعقله ومشاعره وتحملها. 

من المهم الحرص على عدم تقديم هذه الأحداث للطفل بشكل فيه خوف، وفزع لأنه سيصبح هذا الشعور المسيطر لدى الطفل، والذي سيتعامل مع هذه الأخبار من خلالها. ولن يكون لدى الطفل تشكيك برحمة الخالق، والتساؤل عن العدالة الإلهية. والخطوة التالية هي تنمية التعاطف لدى الطفل، عند الحديث عن الضحايا، الذين خسروا أرواحهم، وأهلهم، وممتلكاتهم، فبالرغم من أن السياق المنطقي مهم جدًا لتعريف الطفل بما يجري، إلا أن تنمية التعاطف لدى الطفل من مهام الأهل التربوية المهمة، مع الحرص على عدم التسبب للطفل بالحزن، والخوف.

تجنبي عزيزتي الأم مشاركة المشاهد المخيفة، التي فيها جثث، وبكاء، وعويل مع أطفالك. أوصلي المعلومة لطفلك بموضوعية دون مشاركة الصور، ومشاهد الفيديو. تجنبي مشاهدة القنوات الإخبارية بشكل متواصل وامنحي نفسك، وامنحي طفلك الفرصة للتعامل مع المعلومة والمشاعر التي ستتولد منها، دون إجهاد النفس بالمشاهد المستمرة.

التربية بالأمل

عندما نتابع فيلمًا، أو مسلسلًا نكون دومًا بانتظار النهاية السعيدة، مثل أن يتزوج البطل البطلة في النهاية، أو أن ينتصر الخير على الشر، وإن انتهت الأحداث على غير ذلك نُصاب بالحزن، والإحباط. والأمر مماثل بالنسبة للطفل! فأطفالنا ينتظرون النهاية السعيدة أيضًا، وهو أمر يمكن شرحه للطفل في حال الكوارث الطبيعية التي تدوم لفترة قصيرة، ويمكن إعادة الإعمار واستمرار حياة الناجين بعدها. ولكن الأمر مختلف في حال الحروب التي تدوم لفترات أطول، وهناك خسائر أكبر بالأرواح، والممتلكات. لذلك من المهم عدم ترك الطفل للاستسلام للإحباط، والحزن، ودور الأمهات في هذه الحالة ذكر الأمثلة التاريخية التي انتهت بها الحروب والنزاعات بانتصار الحق، مثل تحرر جنوب أفريقيا وغيرها من البلاد من المستعمرين، والمحتلين لبث الأمل والتفاؤل في نفس الطفل. 

لحظة تعلم

من أحد الطرق الإيجابية عند الحديث عن الحروب والكوارث مع الأطفال، هي استغلالها كلحظة تعلم لتزود الطفل بمعلومات جغرافية، وتاريخية مهمة عن مكان هذه الأحداث. أخبري طفلك عن أوكرانيا، وتاريخها، وتاريخ فلسطين، وطبيعتها، وعن ليبيا وعن المغرب، عرفي طفلك ببلاد العالم، وتاريخها.

كيف نتعامل مع الشعور بالذنب؟

هناك ما يعرف بمشاعر الذنب لدى الناجين، ومن الطبيعي أن نشعر بها، ولكن يجب ألا نستسلم نحن، وأطفالنا لهذه المشاعر. الشعور بالذنب من المشاعر السلبية، التي لا تأخذنا لأي مكان. اسألي طفلك، واسألي نفسك عند الشعور بالذنب: "هل هذه المشاعر مفيدة؟" "هل تساعد من مروا بكارثة؟" الإجابة: لا! المهم التعامل مع مشاعرنا بشكل إيجابي، من خلال ما يلي:

  • استشعار النعم التي لدينا، وحمد الله عليها.
  • الدعاء.
  • القيام بما يمكننا لمساعدة من يحتاجون المساعدة، من خلال الدعم والتطوع مع الهلال الأحمر، والتبرع من خلال الجهات الرسمية الموثوقة.

كلمة لمن يعيشون الأوضاع الصعبة

لا يسعنا أن نقسو على الأهل الذين يعيشون الحروب والكوارث، ونخبرهم كيف يتصرفون. ولكن يمكنني أن أنصح الأمهات باحتضان الأطفال وتزويدهم بالحب، والعاطفة قدر الإمكان. مع تشجيع الطفل دومًا على الحركة، والتعبير، ولعل الصور التي نشاهدها لأطفال يلعبون فوق ركام بيوتهم تعبر عن أفضل علاج لمشاعر الطفل الذي مر لتوه بكارثة من أي نوع.

 

اقرئي أيضًا ما هي الاحتياجات النفسية والعاطفية للطفل الرضيع؟

 

golden-bundle-gold-cta-ar.webp

sawsan
سوسن حمزة مدربة توجيه أسري ومدربة مراهقين معتمدة

سوسن أم لثلاث بنات، وهي صيدلانية سبق أن عملت لسنوات في مجال التسويق لشركات الأدوية وأغذية الأطفال. قبل أن تدرك أن شغفها الأساسي هو مساعدة الأهل في مشوار تربية أبنائهم. وعندها درست وحصلت على دبلوما في مجال تدريب الأهل  Parent Coaching. كما أنها درست التطور الذهني والعاطفي في مراحل الطفولة، وأثر التربية الإيجابي في هذا التطور. كما درست كل ما يخص المراهق على المستوى العقلي والعاطفي والسلوكي، وحصلت على دبلوما Teenager’s coach لتكون حلقة الوصل بين المراهق والأهل لبناء جسور التواصل. وجدت سوسن في سنوات دراستها الطويلة في مجال التربية، بأن كثيراً من تحديات التربية سببها صدمات الطفولة عند الأهل أو الأنماط المجتمعية في التفكير، فكان لهذه الخطوة أثر إيجابي كبير في تفريغ مشاعر الأهل السلبية ورفع نسبة تقبلهم لأبنائهم ولأساليب التربية الصحيحة. تؤمن سوسن بأن مشوار تعلمها لم ينته بعد، فهي تتعلم كل يوم من معلماتها الأوائل بناتها الرائعات. اللاتي تعيش معهن رحلة جميلة في التعلم، والحب والحوار.

مقالات ذات صلة